بقلم: شفيق بطرس
تاريخ النشر: 8 أمشير 1728 ش – 16 فبراير 2012 م
وكأنها قد أعتادت أرضيات ميدان التحرير وأرصفتها وأحواض الزروع والورود بوسط صينية الميدان الواسع على دخان طلقات الرصاص وقنابل الغازات المسيلة للدموع وعلى طعم ولون دماء الشباب الثائر وأعتادت على رائحة عرق مواطنون من الأقاليم وكل أرجاء مصر يفترشون الميدان فى أعتصامات ومسيرات قد تطول أياماً وأسابيع، قد أعتاد بلاط الميدان على عجلات المدرعات الصفراء الخاصة بالجيش والسوداء الخاصة بالشرطة ومن فوقها يقف المسلحون الملثمون بأسلحتهم الآلية
يرشقون الشعب البرىء والأعزل بالرصاص الحى وبطلقات الخرطوش تملاء أجساد الشباب والشابات بالبلى وتسبب قتل بعضهم وعاهات مستديمة لمن يفلت من الموت والغريب يخرج كل مرة مسئولى الجيش والشرطة ومن المجلس العسكرى يبررون وينكرون بل يتهمون الثوار من الشباب بتهم التجمهر والهجوم على رجال الجيش والشرطة وتعكير الأمن العام، فمنذ أحداث موقعة الجمل وبعدها ماسبيرو وشوارع محمد محمود والفلكى ومنصور والقصر العينى لم نرى مجرما واحدا من هؤلاء القتلة أمام العدالة ولا حتى محاكم تأديب، وتؤول كل المصائب لطرف ثالث مجهول وما من جرائم ومصائب وكوارث أرتكبت بأسم هذا الطرف الثالث والأصابع الخفية ، فمن الواضح جداً التعمد من جانب بعض الأطراف الغير معروفة والذين أطلقنا عليهم لفظ ( اللهو الخفى) بنشر روح الرعب والتوتر والأحباط العام بين أفراد الشعب وذلك بتفشى الفوضى وعدم الشعور بالأمان وعدم الثقة فى الأمن أو رجال الشرطة والعدالة، مما جعل أى مظلوم أو مجنياً عليه يضطر لأن يأخذ هو حقة بيده أو يأخذ له حقه عائلته أو أهل منطقته أو بلدته، وهذا بالطبع قد حدث مراراً وتكراراً منذ بداية ثورة 25 يناير الى وقتنا هذا، ومن أمثلتها الكثير من حوادث قتل وسحل وتنكيل بطريقة بربرية مفجعة لم نتعود عليها فى بلادنا ذات الثقافة الريفية وثقافة وادى النيل لأننا شعب هادىء بطبعه محباً للأستقرار وليس لدينا مشاعر التهجم وسفك الدماء والكر والفر كأهل البادية والصحراء، ومنها الهجوم على أى بلطجى أو مجرم لأمساكه وتأديبه بعد الأعتداء على أى من المواطنين وبدء عمليات انتقامية بشعة ضده كالطعنات فى كل الجسد وقطع أعضاء أو أطراف من الجسم أوالذبح أو تعليق الضحية فى أعمدة الأنارة فى وسط ميادين القرية أو البلدة الصغيرة وسط المارة وأهل المنطقة من أطفال ونساء وعجائز لا يقدرون على تحمل هذه البشاعات، فليس من المُعتاد ولا من المعقول التمثيل بالجثث هكذا وكأننا قد تعودنا على رؤية الدماء والجثث المذبوحة والمعلقة أمامنا كذبائح الماشية أو الأغنام، فهذا مرفوض ومُستنكر حتى ولو كانوا هؤلاء الضحايا هم أللد الأعداء فالموت له حرمة ونحن نعرف هذا جيداً ولا نريد أن يذكرنا به أى أحد، هذا طبعا بجانب التلكيك للأقباط للتنكيل بهم وبأسرهم بأى حجة أو أى رواية أو قصة ملفقة أو كاذبة أو أى أشاعة بدون التروى والتدقيق فى صحتها أو تكذيبها، فيدعو الداعية فى الحال للجهاد والأخذ بالثأر بعد أشاعة عن قصص حب بين الشباب أو الأعتداء على أراضى الكنائس أو الأديرة وضمها لأملاك المسلمين عنوة وبدون أى أوراق ولا مستندات وبعدها تبدأ المطالبة بتأديب النصارى وتبدأ عمليات الهجوم والضرب والقتل والسرقة والنهب لجميع الممتلكات من المنازل والمتاجر والحقول وبعدها تبدأ عملية حرق كل ما لم يستطيعون حمله ونهبه لنشر الخراب وبعدها يأمر الداعية من على المنابر بتهجير النصارى، أسر بكاملها وبعض الأحيان شوارع وقرى بالكامل ليصبحوا لاجئين بدون منزل أو مأوى أو مصدر للرزق ويفقد القبطى فى بلده الأمن والأمان والمنزل ومصدر الرزق ويصبح غريبا مشردا فى بلد آخر بعيداً عن المنتقمون والطاردون له ولأبناءه بنظام التهجير القصرى الجماعى، ويصمت الجميع فلا رادع ولا أمل فى من يردع أو يطالب بحق هؤلاء فالمصير معروف والنتائج معروفة مقدماً ( لا يؤخذ دم مسلم بدم كافر) ولا حتى بحكم بسيط يخفف وطأة الألم من نفوس أهالى الضحايا، وتتكاثر القضايا والحوادث خاصة بعدما فرضت التيارات الأسلامية المتشددة سطوتها على البرلمان وعلى المجتمع كله أنتظاراً لخروج دستور أسلامى ورئيس أسلامى أو نقول خليفة للخلافة الأسلامية الجديدة، ويستمر السيناريو بنفس الشدة والعنف وتختلف أسماء اللهو الخفى فتارة يكونون بلطجية الفلول وتارة كوادر سلفية وتارة متأمرين أجانب مأجورين من أسرائيل وأمريكا، وتمت مذبحة الشباب القاهرى فى أستاد بورسعيد الرياضى، أكثر من 77 قتيل وأكثر من ألف مصاب بعاهات، ونتسائل لماذا كل هذا الرعب والفريق البورسعيدى خارجا فائزاً فما سبب هذا الهجوم التتارى على جمهور الأهلى القاهرى؟ ويخرج من يقول بلطجية الفلول والنظام السابق ومنهم من يقول بلطجية الأسلاميين والبعض يذهب بعيداً ويقول مرتزقة مأجورين من جهات اجنبية ومن بعض دول الخليج وتخرج من تحت قبة البرلمان مجموعات ولجان تحقيق لمحاولة فك هذه الألغاز وتتابع موجات التاسونامى المدمرة على مصر كلها وتدمر كيان مجتمع غلبان قد عانى الكثير والكثير أكثر من ستين عاماً من القهر والفساد وأتخيل مصرنا الغالية تقف على ضفاف النيل الخالد حزينة يائسة تغنى بدموع حارة كلمات نزار قبانى "أيظن" وتقول تتحدث عن حالها وما جرى لها وتقول : ويشب فى قلبى حريق ويضيع من قدمى الطريق...بالسحل بالقتل بالصمت الرهيب بالصمت الرهيب .